في كل عام، تعود آلاف الأقمار الصناعية إلى الأرض في نهاية عمرها التشغيلي، وتحترق في الغلاف الجوي. ومع تزايد عدد هذه الأقمار الصناعية، يثير ذلك قلقًا متزايدًا بشأن التأثير البيئي لهذه العملية، خاصةً فيما يتعلق باستنزاف طبقة الأوزون. يركز النقاش الحالي على أفضل طريقة للتعامل مع نهاية عمر هذه الأقمار الصناعية، بما في ذلك مفهوم “التصميم من أجل الزوال” ونهج بديل يهدف إلى تقليل الانبعاثات الضارة في الغلاف الجوي، وهو ما يعرف بـ النفايات الفضائية.
تأتي هذه القضية في وقت يشهد فيه العالم إطلاق عدد غير مسبوق من الأقمار الصناعية، مما يزيد من حدة المشكلة. وفقًا للباحثين، فإن العواقب البيئية لتراكم هذه النفايات الفضائية تتزايد بشكل ملحوظ، مما يستدعي البحث عن حلول مستدامة وفعالة.
تأثير النفايات الفضائية على الغلاف الجوي
أصبح التلوث الناتج عن إعادة دخول الأقمار الصناعية إلى الغلاف الجوي تهديدًا متزايدًا للطبقات العليا من الغلاف الجوي، وخاصةً طبقة الأوزون في الستراتوسفير. عندما تحترق الأقمار الصناعية، فإنها تطلق جزيئات صغيرة من أكسيد الألومنيوم. تعمل هذه الجزيئات على تحفيز تفاعلات كيميائية مدمرة للأوزون، مما يقلل من قدرة الغلاف الجوي على حماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.
تزايد كمية الأكاسيد الضارة
أظهرت دراسة حديثة أجريت عام 2024 أن قمرًا صناعيًا نموذجيًا بوزن 250 كيلوجرامًا يمكن أن ينتج حوالي 30 كيلوجرامًا من جسيمات أكسيد الألومنيوم النانوية عند احتراقه في الغلاف الجوي. تشير الدراسة إلى أن كمية الأكاسيد الضارة في الغلاف الجوي قد زادت بمقدار ثمانية أضعاف خلال السنوات الست الماضية، وذلك بسبب العدد المتزايد من الأقمار الصناعية التي تعود إلى الأرض.
“التصميم من أجل عدم الزوال” كحل بديل
يقترح باحثون في شركة MaiaSpace الأوروبية، وهي شركة تابعة لـ ArianeGroup، نهجًا جديدًا للتعامل مع نهاية عمر الأقمار الصناعية. بدلاً من تصميم الأقمار الصناعية لتتحطم تمامًا عند إعادة الدخول، يقترحون تصميمها بحيث تتمكن من البقاء على قيد الحياة أثناء المرور بالغلاف الجوي. يهدف هذا النهج، المعروف باسم “التصميم من أجل عدم الزوال”، إلى تقليل انبعاثات الجسيمات والغازات الضارة في الغلاف الجوي.
يتضمن هذا النهج إجراء مناورة عودة محكمة للأقمار الصناعية لتقليل خطر سقوط الحطام في المناطق المأهولة. ومع ذلك، فإن هذا الحل يواجه تحديات، بما في ذلك ارتفاع التكاليف المرتبطة بتصميم وبناء أقمار صناعية قادرة على تحمل الظروف القاسية لإعادة الدخول. بالإضافة إلى ذلك، قد تحتاج هذه الأقمار الصناعية إلى أنظمة دفع إضافية لضمان هبوطها في مناطق آمنة، مثل أعماق المحيط الهادئ.
الموازنة بين المخاطر والتكاليف
يواجه مصممو الأقمار الصناعية الآن معضلة: هل يجب تصميم المركبة بحيث تحترق تمامًا، مع خطر زيادة الحطام، أم يجب تصميمها لتقليل الانبعاثات الضارة، وبالتالي الحد من الأضرار البيئية على المدى الطويل؟ يؤكد الباحثون على أهمية تقييم المخاطر والتكاليف المرتبطة بكلتا الاستراتيجيتين لاتخاذ القرار الأفضل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة التلوث الفضائي لا تقتصر على الأقمار الصناعية فحسب، بل تشمل أيضًا الحطام الفضائي الناتج عن التصادمات والانفجارات في المدار. هذا الحطام يشكل خطرًا على الأقمار الصناعية العاملة والمركبات الفضائية المأهولة.
تتزايد الجهود الدولية لمعالجة مشكلة النفايات الفضائية، بما في ذلك تطوير تقنيات لإزالة الحطام الفضائي من المدار. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من التعاون والتنسيق بين الدول لضمان إدارة مستدامة للبيئة الفضائية.
من المتوقع أن تستمر المناقشات حول أفضل طريقة للتعامل مع نهاية عمر الأقمار الصناعية في الأشهر والسنوات القادمة. من المرجح أن تشمل الخطوات التالية إجراء المزيد من البحوث والدراسات لتقييم التأثير البيئي للنفايات الفضائية، وتطوير معايير ولوائح دولية لإدارة النفايات الفضائية، وتشجيع استخدام تقنيات “التصميم من أجل عدم الزوال”. يبقى التحدي هو إيجاد حل يوازن بين الاعتبارات البيئية والاقتصادية والتقنية.
