في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا، غالبًا ما يتم التغاضي عن الدور المحوري الذي لعبته النساء في تطوير العديد من الابتكارات التي نعتمد عليها يوميًا. من أنظمة الاتصالات إلى أجهزة الكمبيوتر والأنظمة الأمنية، تركت النساء بصماتهن على كل جانب من جوانب التكنولوجيا الحديثة. هذا المقال يسلط الضوء على بعض هؤلاء النساء الرائدات ومساهماتهن الهامة، مع التركيز على تأثيرهن على تقنيات مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
على الرغم من التقدم التكنولوجي الهائل، لا يزال الكثيرون غير مدركين للجهود التي بذلتها النساء في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). تُظهر قصصهن أهمية المساواة بين الجنسين في هذه المجالات وتشجيع المزيد من النساء على متابعة مسيراتهن المهنية في التكنولوجيا. هؤلاء المخترعات لم يسهلن حياتنا فحسب، بل ألهمت أيضًا أجيالًا قادمة من العلماء والمهندسين.
النساء وراء ابتكار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وتقنيات الملاحة
قد يبدو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أمرًا مفروغًا منه في العصر الحديث، لكن تطويره كان يتطلب عملًا دقيقًا ومعقدًا. لعبت عالمة الرياضيات غلاديس بي ويست دورًا حاسمًا في هذا المجال. بدأت ويست حياتها المهنية في عام 1956 في Naval Proving Ground، حيث عملت على خوارزميات لتحديد شكل الأرض بدقة.
كانت مساهمات ويست ضرورية لتطوير الجيوديسيا الفضائية، وهي دراسة شكل الأرض باستخدام الأقمار الصناعية. قامت ببرمجة جهاز الكمبيوتر IBM 7030 لإنشاء نموذج دقيق للغاية لشكل الأرض، وهو ما أدى في النهاية إلى تحسين مدارات الأقمار الصناعية المستخدمة في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). وبدون عملها، لما كان نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) دقيقًا كما هو اليوم.
رواديات غيرنَ مسار التكنولوجيا
هيدي لامار: أم الواي فاي
هيدي لامار، الممثلة الشهيرة، لم تكن مجرد وجه جميل على الشاشة. في عام 1940، بالتعاون مع جورج أنثيل، صممت نظام اتصالات “قفز التردد” الذي يهدف إلى توجيه الطوربيدات بدقة. يتضمن هذا النظام تغيير الترددات بشكل مستمر لمنع التشويش، وهو مبدأ أساسي في تقنيات الاتصالات اللاسلكية الحديثة.
على الرغم من أن تطبيقها الأصلي كان عسكريًا، إلا أن تقنية “قفز التردد” أصبحت فيما بعد أساسًا لشبكات الواي فاي، والبلوتوث، وأنظمة GPS. تم تكريم لامار بعد وفاتها في عام 2000 بإدراجها في قاعة مشاهير المخترعين الوطنية، واكتسبت لقب “أم الواي فاي”.
جريس هوبر: رائدة البرمجة
تعتبر جريس موراي هوبر شخصية محورية في تاريخ علوم الكمبيوتر. عملت في الأصل على كمبيوتر هارفارد مارك 1 خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ساهمت في حساب مسارات الصواريخ وإنشاء جداول المدى. لاحقًا، ركزت على تطوير المترجمات، وهي برامج تحول التعليمات البرمجية المكتوبة بلغة بشرية إلى لغة يمكن للكمبيوتر فهمها.
كان عمل هوبر رائدًا في فكرة البرمجة التلقائية، ومهد الطريق للغات البرمجة الحديثة مثل COBOL. لقد أدركت أهمية جعل البرمجة في متناول جمهور أوسع، مما ساهم في انتشار الحوسبة.
ستيفاني كوليك: مبتكرة الكيفلار
الكيفلار، مادة قوية وخفيفة الوزن، تستخدم في مجموعة واسعة من التطبيقات، من السترات الواقية من الرصاص إلى الإطارات المقاومة للثقب. تم تطوير هذه المادة من قبل الكيميائية ستيفاني كوليك في شركة دوبونت في السبعينيات.
اكتشفت كوليك أن بولي أميد سائل يمكن تدويره إلى ألياف قوية بشكل استثنائي. الكيفلار أقوى بخمس مرات من الفولاذ بنفس الوزن، مما يجعله مادة مثالية للتطبيقات التي تتطلب قوة ومتانة عالية.
ماري أندرسون: مخترعة ممسحة الزجاج الأمامي
في أوائل القرن العشرين، كان القيادة في الطقس العاصف أمرًا صعبًا بسبب ضعف الرؤية. ابتكرت ماري أندرسون، وهي مطورة عقارات، حلاً لهذه المشكلة من خلال اختراع ممسحة الزجاج الأمامي اليدوية في عام 1903.
يتكون اختراع أندرسون من ذراع محملة بنابض بشفرة مطاطية يمكن تشغيلها من داخل السيارة. على الرغم من وجود محاولات سابقة لتصميم ممسحات الزجاج الأمامي، إلا أن تصميم أندرسون كان أول من نجح في توفير رؤية واضحة في الظروف الجوية السيئة.
ماري فان بريتان براون: نظام الأمان CCTV
في عام 1969، ابتكرت ماري فان بريتان براون نظام أمان CCTV، وهو نظام يستخدم الكاميرات والميكروفونات لمراقبة المناطق المحيطة. كان هذا الاختراع مدفوعًا بشعورها بالضعف أثناء العيش بمفردها في منطقة ذات معدل جريمة مرتفع.
يتكون نظام براون من كاميرا منزلقة يمكن تحريكها لمراقبة مناطق مختلفة، وشاشات تلفزيون لعرض الصور، وميكروفونات ثنائية الاتجاه للتواصل مع الأشخاص في الخارج. لقد حصلت على براءة اختراع لهذا النظام، والذي أصبح فيما بعد أساسًا لأنظمة الأمان الحديثة.
مستقبل التكنولوجيا يعتمد على مواصلة تشجيع ودعم النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من الابتكارات التي تقودها النساء، مما سيساهم في تطوير تقنيات جديدة وتحسين حياتنا بطرق لم نتخيلها بعد. يجب أن نراقب عن كثب التقدم المحرز في هذا المجال ونعمل على إزالة الحواجز التي تعيق مشاركة المرأة الكاملة في التكنولوجيا.
