يُعدّ سباق الحوسبة الفائقة مؤشرًا رئيسيًا لمدى تقدم الدول في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. وفي خطوة تعزز مكانة المملكة العربية السعودية كمركز عالمي للابتكار، أعلنت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) عن تشغيل حاسوب “شاهين 3” العملاق، وهو الأقوى من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. يعتمد هذا الحاسوب، الذي صممته شركة هيوليت باكارد إنتربرايز (HPE)، على نظام HPE Cray EX بتقنية التبريد المباشر بالسائل، مما يجعله نقلة نوعية في القدرات الحسابية للمملكة.
يأتي إطلاق “شاهين 3” كجزء من رؤية المملكة 2030 الطموحة، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاعات المعرفية. ويهدف الحاسوب إلى تسريع وتيرة الاكتشافات العلمية في مختلف المجالات، بدءًا من الأبحاث المتعلقة بالمناخ وصولًا إلى تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مما يساهم في تحقيق أهداف التحول الاقتصادي والعلمي التي تتطلع إليها المملكة.
الحوسبة الفائقة.. ريادة سعودية وإمكانات غير محدودة
حقق حاسوب “شاهين 3” مرتبة متقدمة في قائمة TOP500، وهي التصنيف العالمي لأقوى 500 نظام حوسبة عملاق. ووفقًا لأحدث النتائج التي أُعلنت خلال المؤتمر الدولي للحوسبة عالية الأداء (SC25) في سانت لويس، احتل “شاهين 3” المركز الأول في الشرق الأوسط والمركز الثامن عشر على مستوى العالم. هذا الإنجاز يؤكد قدرة المملكة على استضافة وتشغيل بنية تحتية تكنولوجية متطورة، قادرة على منافسة المراكز الرائدة عالميًا.
يتميز “شاهين 3” بتصميمه المتقدم ونظام HPE Cray EX، الذي يوفر كفاءة عالية في التبريد. كما يضم النظام 2800 وحدة من معالجات NVIDIA GH200 Grace Hopper Superchip، مما يزيد من قدرته الحسابية بأكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالجيل السابق من الحواسيب العملاقة. وقد حصلت كاوست مؤخرًا على تراخيص من مكتب الصناعة والأمن الأمريكي (BIS) لوحدات معالجة الرسوميات (GPU)، مما يفتح الباب أمام المملكة للمشاركة الفعالة في سباق الحوسبة الفائقة الموجهة للذكاء الاصطناعي.
تطبيقات “شاهين 3” في مختلف القطاعات
سيساهم “شاهين 3” في تطوير نماذج لغوية عربية متقدمة، مخصصة للغة العربية وخصوصياتها الثقافية. وهذا سيؤدي إلى تحسين برمجيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في اللغة العربية، وتقليل الاعتماد على النماذج العالمية التي قد لا تتناسب مع السياق المحلي. ومن المتوقع أن يؤثر هذا بشكل إيجابي على مجالات مثل التعليم والخدمات الحكومية وتحليل المحتوى.
بالإضافة إلى ذلك، سيعمل الحاسوب العملاق على إنشاء “توأم رقمي” لشبه الجزيرة العربية. هذا النموذج الافتراضي سيمكن الباحثين من محاكاة الظروف الجوية والبحرية والبرية بدقة عالية، مما يساعد في فهم ديناميكيات المناخ الإقليمي وإدارة الكوارث الطبيعية. كما سيساهم في تحسين حركة الملاحة البحرية وإدارة الموارد الطبيعية بشكل أكثر فعالية.
وفي قطاع الزراعة، ستُستخدم قدرات “شاهين 3” في تطوير تطبيقات الاستشعار عن بعد، التي تساعد في مراقبة المحاصيل وإدارة الموارد المائية. وستساهم هذه التطبيقات في زيادة الإنتاجية الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي في المملكة. بينما يمثل قطاع الطاقة من المجالات المستفيدة، حيث سيدعم الحاسوب إنشاء مختبر روبوتي متكامل يعمل بالذكاء الاصطناعي لاكتشاف مواد جديدة وتحسين العمليات الكيميائية للحصول على حلول طاقة مستدامة.
كما سيساهم “شاهين 3” في تطوير قطاع الرعاية الصحية، من خلال دعم أبحاث التشخيص المبكر للأمراض، وتطوير تقنيات تصوير طبي متقدمة، وتقديم رعاية صحية شخصية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار القابلة للارتداء.
نظرة مستقبلية للحوسبة الفائقة في المملكة
أعرب البروفيسور إدوارد بيرن، رئيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مؤكدًا أن “شاهين 3” يضع المملكة العربية السعودية في طليعة الاكتشافات العلمية القائمة على الحوسبة الفائقة. ومن المتوقع أن يساهم هذا الحاسوب في تطوير علوم متقدمة وتقديم حلول مبتكرة للتحديات الوطنية والعالمية.
في المقابل، أشارت تريش دامكروجر، من شركة HPE، إلى أن “شاهين 3” يمثل علامة فارقة للشرق الأوسط، وسيعزز مساهمات كاوست في المجتمع العلمي العالمي. والآن، مع اكتمال الحصول على التراخيص اللازمة، تتطلع كاوست لبدء تشغيل قسم معالجات GPU في مطلع عام 2026. وستعتبر هذه الخطوة بمثابة نقطة انطلاق لأبحاث متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تظهر نتائجها خلال السنوات القليلة القادمة. وستبقى منطقة الشرق الأوسط تتابع عن كثب تطورات الحوسبة المتقدمة وتأثيرها على مختلف القطاعات الاقتصادية والعلمية.
