يشهد العالم ارتفاعًا غير مسبوق في التهديدات السيبرانية، مما يفرض تحديات كبيرة على الأفراد والمؤسسات والحكومات على حد سواء. لم تعد الهجمات الإلكترونية مقتصرة على الأفراد، بل تطورت لتصبح عمليات معقدة ومنظمة تستهدف البنية التحتية الحيوية والبيانات الحساسة. وفي هذا السياق، يبرز دور الذكاء الاصطناعي كأداة أساسية في تعزيز الأمن السيبراني ومواجهة هذه التهديدات المتزايدة.
وتشير الإحصائيات إلى حجم التحدي، حيث تضم قاعدة بيانات كاسبرسكي أكثر من 2.1 مليار عينة خبيثة، ويتم اكتشاف أكثر من 467,000 تهديد جديد يوميًا. هذا النمو الهائل في البرمجيات الخبيثة يتطلب حلولًا أمنية متطورة تتجاوز القدرات التقليدية، وهو ما دفع الشركات المتخصصة مثل كاسبرسكي إلى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي منذ أكثر من 20 عامًا.
الذكاء الاصطناعي وحماية نقاط النهاية: تحليل متعمق
تعتمد كاسبرسكي على نهج أمني متعدد الطبقات، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في تعزيز كل طبقة من هذه الطبقات. تبدأ الحماية بتحليل دقيق لنقاط النهاية، مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والخوادم، من خلال مراقبة مصادر الإصابة المحتملة كمتصفحات الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني والشبكات المحلية وأجهزة التخزين الخارجية.
يتم فحص جميع العناصر الواردة باستخدام تقنيات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاستخلاص “الميزات” الفريدة التي تصف كل عنصر رقمي بدقة. هذه الميزات، التي يصل عددها إلى الآلاف، تُستخدم بعد ذلك في نماذج التعلم الآلي التي تم تدريبها على مجموعات بيانات ضخمة من الأمثلة الخبيثة وغير الخبيثة.
تستخدم هذه النماذج خوارزميات متطورة مثل الغابة العشوائية وتعزيز التدرج لتحديد التهديدات المحتملة. ومن أبرز هذه النماذج نموذج “غابة PE” الذي يكتشف عشرات الآلاف من الملفات الخبيثة يوميًا. يمكن تشغيل هذه النماذج عبر السحابة أو مباشرة على الجهاز، مما يوفر حماية شاملة وسريعة.
التجزئة المتشابهة: اكتشاف عائلات البرمجيات الخبيثة
تعتبر تقنية “التجزئة المتشابهة” أداة قوية أخرى في ترسانة الذكاء الاصطناعي. تعتمد هذه التقنية على تحديد أوجه التشابه بين الملفات الخبيثة، حتى لو كانت قد تغيرت بنيتها. يتم استخلاص خصائص الملفات وتحويلها إلى “بصمات تشابه” باستخدام خوارزميات التعلم الآلي.
تتيح هذه الطريقة اكتشاف عائلات كاملة من البرمجيات الخبيثة المتعددة الأشكال، مما يقلل من حجم قاعدة بيانات التهديدات ويحسن كفاءة الكشف. تُعد هذه التقنية مفيدة بشكل خاص في مواجهة البرمجيات الخبيثة التي تتطور باستمرار لتفادي الكشف.
شبكة كاسبرسكي الأمنية (KSN): الذكاء الجماعي للأمن السيبراني
تعتمد كاسبرسكي على شبكة كاسبرسكي الأمنية (KSN)، وهي بنية تحتية موزعة تجمع وتحلل بيانات التهديدات من ملايين المستخدمين حول العالم. تتيح هذه الشبكة الكشف الفوري عن التهديدات الجديدة والاستجابة لها بفعالية.
يقوم نظام السمعة (Astraea) بتحليل ملايين العينات ومعالجة مليارات الإشعارات الواردة من شبكة KSN، وتحديد الكائنات المشبوهة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتم احتساب سمعة كل كائن وتحديثها باستمرار، مما يوفر معلومات قيمة للمستخدمين حول التهديدات المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم KSN تقنيات الكشف المعتمدة على تجزئة التشابه لتحديد الأنماط الخفية في البرمجيات الخبيثة. يتم جمع “الميزات” من ملفات متعددة وتحليلها باستخدام خوارزميات التعلم الآلي لإنشاء تجزئات التشابه التي يمكن استخدامها للكشف عن التهديدات الجديدة.
وفي مجال حماية الأجهزة المحمولة، تستخدم كاسبرسكي تقنية “Cloud ML” لنظام Android، وهي تقنية سحابية مدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها اكتشاف التطبيقات الخبيثة بدقة عالية، وحماية المستخدمين من الهجمات المتزايدة على الأجهزة المحمولة.
التحليلات المتقدمة والتصيد الاحتيالي: تطبيقات إضافية للذكاء الاصطناعي
لا يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي على تحليل الملفات والكشف عن السلوكيات الخبيثة، بل يمتد أيضًا إلى التحليلات المتقدمة والكشف عن هجمات التصيد الاحتيالي. تستخدم كاسبرسكي نماذج تعلم آلي متطورة لتحليل سجلات السلوك وحركة المرور على الشبكة، واكتشاف الأنشطة المشبوهة مثل هجمات اختطاف ملفات DLL.
كما تعتمد كاسبرسكي على منظومة ذكاء اصطناعي متعددة التخصصات لحماية الإنترنت، تجمع بين تحليل المحتوى وهندسة البيانات ونماذج الرسم البياني الذكية. تشمل هذه المنظومة نماذج متطورة لاكتشاف التصيد الاحتيالي عبر الويب ونطاقات التصيد الاحتيالي الخبيثة.
من المتوقع أن يستمر دور الذكاء الاصطناعي في النمو في مجال الأمن السيبراني، مع التركيز على تطوير نماذج أكثر دقة وقدرة على التكيف مع التهديدات المتغيرة. ستشهد الأشهر والسنوات القادمة المزيد من الابتكارات في هذا المجال، مما سيعزز قدرتنا على حماية أنفسنا من الهجمات الإلكترونية المتزايدة.
