تعهّد عدد من مليارديرات التكنولوجيا بتقديم تبرعات تصل إلى 860 مليون يورو لتمويل الجيل القادم من مصادمات الجسيمات في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)، والمعروف باسم المصادم الدائري المستقبلي (Future Circular Collider – FCC). يمثل هذا التمويل الخاص سابقة تاريخية لـ CERN، حيث تعتمد المنظمة تقليديًا على مساهمات الدول الأعضاء. ومن بين المتبرعين البارزين إريك شميدت، الرئيس التنفيذي لشركة Relativity Space، وسيرجي برين، المؤسس المشارك لشركة جوجل.
يأتي هذا الإعلان من سويسرا، حيث يقع مقر CERN، ويشير إلى اهتمام متزايد بالاستثمار في أبحاث الفيزياء الأساسية من قبل القطاع الخاص. يهدف المصادم الدائري المستقبلي إلى تجاوز القدرات الحالية لمصادم الهادرونات الكبير (LHC) في استكشاف أسرار الكون وأدق مكوناته. وتشمل التبرعات الوعد بتقديم الدعم المالي لتحقيق هذا الهدف الطموح.
المصادم الدائري المستقبلي: استثمار في حدود المعرفة
يعتبر المصادم الدائري المستقبلي مشروعًا ضخمًا يهدف إلى بناء حلقة تصادم جسيمات بطول 91 كيلومترًا. ووفقًا لـ CERN، سيسمح هذا المصادم الجديد بدراسة الجسيمات دون الذرية بدقة أكبر، مما قد يؤدي إلى اكتشافات جديدة في فيزياء الجسيمات وفهم أعمق للقوى الأساسية التي تحكم الكون. هذا المشروع يمثل خطوة هائلة في مجال فيزياء الجسيمات.
أهمية التمويل الخاص
يشكل التبرع من مليارديرات التكنولوجيا دعمًا حاسمًا للمصادم الدائري المستقبلي، خاصةً في ظل التكاليف التقديرية الباهظة التي تصل إلى 17 مليار دولار للمرحلة الأولى من البناء. إن قبول CERN للتمويل الخاص يمثل تحولًا كبيرًا في نموذجها التمويلي، وقد يفتح الباب أمام المزيد من الشراكات مع القطاع الخاص في المستقبل. ويشير هذا التوجه إلى إدراك القيمة الكامنة في الأبحاث الأساسية، ليس فقط من الناحية العلمية ولكن أيضًا من حيث إمكانية تطوير تقنيات جديدة.
مجالات البحث المستهدفة
يركز المصادم الدائري المستقبلي على عدة مجالات بحثية رئيسية، بما في ذلك دراسة بوزون هيغز، الذي تم اكتشافه في مصادم الهادرونات الكبير عام 2012، وفهم المادة المظلمة والطاقة المظلمة، اللتين تشكلان الجزء الأكبر من الكون. بالإضافة إلى ذلك، يهدف المشروع إلى البحث عن أبعاد إضافية للكون واختبار نظريات جديدة تتجاوز النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. هذه الأبحاث قد تؤدي إلى ثورة في فهمنا للكون.
صندوق إريك وويندي شميدت للإبداع الاستراتيجي، ومؤسسة جائزة الاختراق، التي تضم سيرجي برين، وكسافييه نيل، ورئيس شركة فيراري جون إلكان، جميعهم أبدوا حماسهم لإمكانات هذا المشروع. وأشار إريك شميدت إلى أن التقنيات الناتجة عن هذا المشروع يمكن أن يكون لها تطبيقات واسعة النطاق في مجالات مثل الطب والحوسبة والطاقة المستدامة.
من الجدير بالذكر أن بناء المصادم الدائري المستقبلي سيتم على مراحل. ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من البناء في منتصف أربعينيات القرن الحالي، بينما قد لا تكتمل المرحلة الثانية حتى سبعينيات القرن الحالي. هذا الجدول الزمني الطويل الأمد يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتعاونًا دوليًا مستمرًا.
تعتمد CERN حاليًا على مساهمات من 23 دولة عضو، بالإضافة إلى العديد من الدول المرتبطة. ويشكل التمويل الإضافي من القطاع الخاص دعمًا قيمًا لجهود CERN في دفع حدود المعرفة العلمية.
في بيان رسمي، أعربت فابيولا جيانوتي، مديرة عام CERN، عن امتنانها العميق للمتبرعين، مؤكدةً أن دعمهم ضروري لتحقيق المصادم الدائري المستقبلي وتمكين الأجيال القادمة من العلماء. كما أكدت على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دعم الأبحاث العلمية الطموحة.
في الوقت الحالي، تحتاج الدول الأعضاء في CERN إلى الموافقة الرسمية على مشروع المصادم الدائري المستقبلي بحلول عام 2028. هذه الموافقة ستعتمد على تقييم شامل للتكاليف والفوائد المحتملة للمشروع، بالإضافة إلى التنسيق مع المشاريع العلمية الكبرى الأخرى حول العالم.
يظل مستقبل المصادم الدائري المستقبلي غير مؤكد، ولكنه يمثل فرصة فريدة لدفع حدود المعرفة العلمية واستكشاف أسرار الكون. سيكون من المهم متابعة التطورات المتعلقة بتمويل المشروع والموافقة عليه من قبل الدول الأعضاء في CERN في السنوات القادمة.
