خلال العصر الجليدي الأخير، التقط شخص يعيش على طول نهر الراين فيما يعرف الآن بأوروبا قطعة من الصخر وحفر صورة لما يبدو أنها سمكة تم صيدها في بعض الشباك. لم يتوقعوا أنه بعد 15800 عام، سيعلن الباحثون أن نقشهم هو أحد أقدم صور صيد الأسماك في تاريخ البشرية.
استخدم باحثون من جامعة دورهام في إنجلترا ومركز لايبنيز للآثار في ألمانيا تقنيات تصوير متقدمة للكشف عن نقش سمكة خلف أنماط تشبه الشبكة على لوحة شيست قديمة (قطعة صغيرة تشبه الشريحة من نوع من الصخور المتحولة). كما أوضح الباحثون بالتفصيل في دراستهم، التي نُشرت في وقت سابق من هذا الشهر في PLOS ONE، يمكن تفسير أنماط الشبكة على أنها تمثل شباك الصيد أو الفخاخ، مما يجعل هذه القطعة الأثرية ليس فقط أقدم تصوير لصيد الأسماك في عصور ما قبل التاريخ الأوروبي، ولكن أيضًا الدليل المادي الوحيد على ذلك. كيف اصطاد الصيادون وجامعو الثمار في العصر الحجري القديم الأسماك؟ بالطبع، هذا إذا كان تفسير الباحثين دقيقاً.
وأوضح الباحثون في بيان Leibniz-Zentrum für Archäologie: “على الرغم من أنه من المعروف أن الأسماك شكلت جزءًا من النظام الغذائي للصيادين وجامعي الثمار في العصر الحجري القديم في ذلك الوقت، إلا أنه حتى الآن لا يوجد دليل على كيفية صيد الأسماك”.
هذا الاكتشاف الأخير هو واحد من مئات اللوحات المنقوشة التي استعادها علماء الآثار من Gönnersdorf، وهو موقع تخييم للعصر الجليدي في ألمانيا الحديثة، كان يسكنه الصيادون وجامعو الثمار منذ حوالي 15800 عام. بالإضافة إلى الصور المنمقة للنساء، يبدو أن النقوش تصور حيوانات مهمة لبقاء شعوب أواخر العصر الحجري القديم الأعلى (منذ حوالي 24000 إلى 14000 سنة مضت)، بما في ذلك وحيد القرن الصوفي، والخيول البرية، والماموث، والرنة، والآن الأسماك.
وكتب الباحثون في الدراسة: “يفترض هذا الاكتشاف خروجًا كبيرًا عن التفسيرات السابقة لأيقونات الموقع، والتي ركزت في الغالب على تمثيلات أكثر طبيعية للحيوانات”. وبعبارة أخرى، فإن وجود تصوير الصيد المفترض يتحدى فكرة أن فناني العصر الجليدي لم يصوروا سوى الحيوانات والبشر.
جاء اكتشاف لوحة الأسماك في سياق الجهد الأوسع الذي بذله الباحثون لفهم دور لوحات Gönnersdorf في حياة الصيادين وجامعي الثمار المبكرة. ولتحقيق ذلك، استخدم الفريق متعدد التخصصات علم الآثار وعلم النفس البصري وتقنيات التصوير المتقدمة مثل التصوير التحويلي الانعكاسي، الذي يكشف تفاصيل السطح غير المرئية بالعين المجردة.
ويشير الباحثون إلى أن ملمس وشكل اللوحات ربما لعبا دورًا في ما اختار فنانو العصر الجليدي تصويره، وهي عملية تسمى الباريدوليا، والتي تتضمن تحديد المعنى بنمط غامض، على عكس ما يعتقده البشر أنهم يتعرفون على الأشكال في السحب . وافترضوا أيضًا أن مجتمعات العصر الحجري القديم الأعلى ربما تكون قد دمجت الصيد “في الممارسات الرمزية والاجتماعية”، وفقًا للبيان.
ويشير الفريق إلى أن هذا الاكتشاف هو تذكير بأن مجرد وجود تقنيات معينة – مثل شباك الصيد – نادرًا ما يتم العثور عليها في السجل الأثري، فهذا لا يعني أنها تفتقر إلى أصول قديمة. في نهاية المطاف، تنضم لوحة الأسماك Gönnersdorf إلى ذخيرة من فنون العصر الجليدي الرائعة، وتسلط الضوء على كيفية تمكن أسلافنا من الاستمتاع بالأسماك، وهي أيضًا دليل محتمل على أن فناني العصر الحجري القديم لم يستمدوا الإلهام من الحيوانات فحسب، بل من المهام اليومية أيضًا.