يشهد علماء الفلك حدثًا كونيًا نادرًا يتمثل في نظام نجمي ثنائي، V Sagittae، حيث يستهلك قزم أبيض نجمًا مرافقًا له، مما سيؤدي في النهاية إلى انفجار مستعر أعظم (سوبرنوفا) يمكن رصده من الأرض. تقع هذه الظاهرة على بعد حوالي 10000 سنة ضوئية، وتثير اهتمامًا كبيرًا بسبب سطوعها غير المعتاد ومصيرها المحتوم.
اكتشف النظام V Sagittae لأول مرة في عام 1902، وأثار حيرة الباحثين لعقود بسبب إشعاعه القوي. أظهرت دراسة حديثة، نُشرت في مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية في أغسطس، أن هذا السطوع الشديد ناتج عن عملية امتصاص المادة من النجم المرافق إلى القزم الأبيض، مما يؤدي إلى تفاعلات نووية حرارية على سطحه. هذا الاكتشاف يحل لغزًا استمر قرنًا من الزمان.
لماذا يعتبر هذا النظام النجمي الثنائي فريدًا من نوعه؟
وفقًا للباحثين، فإن V Sagittae ليس نظامًا نجميًا عاديًا. يتميز بكونه الأكثر سطوعًا من نوعه، حيث يمتص القزم الأبيض بشكل مكثف المادة من نجمه المرافق. هذه العملية ليست مجرد استهلاك للمادة، بل هي تحويل لها إلى طاقة هائلة، مما يجعل القزم الأبيض يلمع بقوة.
اكتشاف حلقة الغاز العملاقة
استخدم فريق البحث التلسكوب الكبير جدًا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي لرصد النظام النجمي. أظهرت الملاحظات أن النجمين يدوران حول بعضهما البعض كل 12.3 ساعة. بالإضافة إلى ذلك، اكتشفوا حلقة ضخمة من الغاز تحيط بالنجمين، وهي تتكون من الحطام الناتج عن عملية الامتصاص العنيفة.
أوضح باسي هاكالا، الباحث في جامعة توركو، أن هذه الحلقة تمثل دليلًا على الطاقة الهائلة التي يولدها القزم الأبيض. إنها نتيجة حتمية لعدم قدرة القزم الأبيض على استهلاك كل المادة المنقولة إليه من النجم المرافق، مما يؤدي إلى طردها في الفضاء وتكوين هذه الحلقة اللامعة. هذا الاكتشاف يوفر رؤى جديدة حول دورة حياة النجوم.
المستقبل المحتوم: مستعر أعظم (سوبرنوفا)
يتوقع العلماء أن عملية امتصاص المادة ستستمر في التزايد، مما سيؤدي في النهاية إلى انفجار نوفا. هذا الانفجار سيكون مرئيًا من الأرض بالعين المجردة، دون الحاجة إلى أي أدوات فلكية. ومع ذلك، فإن الحدث الأكثر دراماتيكية لا يزال قادمًا.
عندما يتجاوز القزم الأبيض حد كتلة معين، سيحدث انفجار مستعر أعظم (سوبرنوفا) شديد السطوع. وفقًا لبابلو رودريغيز جيل، الباحث في المعهد الإسباني للفيزياء الفلكية، فإن هذا الانفجار سيكون قويًا لدرجة أنه قد يكون مرئيًا حتى في وضوح النهار. هذا الحدث الكوني النادر سيقدم فرصة فريدة لدراسة الظواهر الفيزيائية المتطرفة.
تعتبر دراسة النجوم الثنائية مثل V Sagittae ذات أهمية كبيرة لفهم تطور النجوم ونهاياتها. فهي تمثل مختبرات طبيعية لدراسة العمليات الفيزيائية التي تحدث في الظروف القاسية التي لا يمكن تكرارها في الأرض. كما أن فهم هذه العمليات يساعد في تفسير أصل العناصر الثقيلة في الكون، والتي تشكل اللبنات الأساسية للكواكب والحياة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة المستعرات الأعظمية (سوبرنوفا) تساعد في تحديد المسافات في الكون، وتوفر معلومات حول توسع الكون ومعدل تسارعه. كما أنها تلعب دورًا مهمًا في توزيع المادة والطاقة في الكون، مما يؤثر على تكوين المجرات والهياكل الكونية الكبيرة.
من المتوقع أن يحدث انفجار سوبرنوفا في V Sagittae في السنوات القادمة، على الرغم من أن التوقيت الدقيق لا يزال غير مؤكد. سيراقب علماء الفلك النظام عن كثب لمراقبة التغيرات في سطوعه وطيفه، مما قد يساعد في تحسين التنبؤات بموعد الانفجار. هذا الحدث الكوني يمثل فرصة لا تقدر بثمن للعلماء لدراسة الظواهر الفيزيائية المتطرفة واكتساب رؤى جديدة حول الكون.
في الوقت الحالي، يواصل الباحثون تحليل البيانات التي تم جمعها من التلسكوب الكبير جدًا، ويخططون لإجراء المزيد من الملاحظات باستخدام تلسكوبات أخرى. سيساعدهم ذلك في فهم أفضل للعمليات التي تحدث في النظام V Sagittae، وتحديد العوامل التي تؤثر على توقيت وشدة انفجار المستعر الأعظم (سوبرنوفا) القادم. هذا البحث المستمر سيساهم في توسيع معرفتنا بالكون ومكانه في الكون.
