أصدر تلسكوب أتاكاما لعلم الكونيات (ACT) في تشيلي دفعة بياناته النهائية، مما أثار نقاشًا جديدًا حول توتر هابل، وهو لغز يتعلق بمعدل توسع الكون. البيانات الجديدة، التي جمعت على مدى ما يقرب من عقدين، استبعدت العديد من النماذج النظرية التي حاولت تفسير هذا التناقض، مما يعمق الفهم العلمي للتحديات القائمة في علم الكونيات.
يقع تلسكوب ACT في جبال الأنديز في تشيلي، وقد توقف عن العمل في عام 2022. ومع ذلك، فإن تحليل البيانات التي جمعها لا يزال مستمرًا، حيث يقدم رؤى جديدة حول أصل الكون وتطوره. وقد نشرت نتائج حديثة في مجلات علمية مرموقة، مما أثار اهتمامًا واسعًا في الأوساط العلمية.
توتر هابل: لغز يزداد تعقيدًا
يتم قياس معدل توسع الكون، المعروف أيضًا بثابت هابل، بطريقتين رئيسيتين. إحدى الطرق تعتمد على دراسة الإشعاع الخلفي الكوني الميكروي (CMB)، وهو بقايا الانفجار الكبير. بينما تعتمد الطريقة الأخرى على قياس المسافات إلى المجرات والمستعرات الأعظمية القريبة.
وفقًا للنموذج القياسي لعلم الكونيات، يجب أن تتفق هاتان الطريقتان في قياسهما. ومع ذلك، تظهر القياسات اختلافًا ملحوظًا، وهو ما يعرف بـ “توتر هابل”. هذا التناقض يمثل تحديًا كبيرًا للفهم الحالي للكون.
استبعاد النماذج البديلة
قام فريق من الباحثين بتحليل بيانات ACT لاختبار حوالي 30 نموذجًا “موسعًا” لعلم الكونيات، وهي نماذج بديلة للنموذج القياسي. تهدف هذه النماذج إلى تفسير توتر هابل وبعض الظواهر الكونية الأخرى التي لا يفسرها النموذج القياسي بشكل كامل.
النتائج كانت مفاجئة: استبعد الباحثون جميع النماذج الموسعة التي قاموا بتقييمها. وقالت إرمينيا كالابريس، عالمة الكونيات بجامعة كارديف، إن البيانات الجديدة قلصت “ساحة اللعب” النظرية، مما يشير إلى أن البحث عن تفسير لتوتر هابل قد يتطلب مقاربات جديدة.
دقة بيانات ACT
تتميز بيانات ACT بدقة عالية بشكل خاص، وذلك بفضل حجم مرآته الأساسية الكبير، الذي يبلغ قطره حوالي 6 أمتار. هذا يسمح لها بإنتاج خرائط استقطاب للإشعاع الخلفي الكوني الميكروي أكثر تفصيلاً من الخرائط التي أنتجتها مركبة بلانك الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية.
وبالمقارنة، وصف كالابريس بيانات ACT بأنها “تنظيف للنظارات”، مما يشير إلى أنها توفر رؤية أوضح للإشعاع الكوني الميكروي وتساعد في تحديد الفجوات في فهمنا الحالي.
الخلفية الكونية الميكروية وتوسع الكون
تعتبر دراسة الخلفية الكونية الميكروية (CMB) أداة أساسية في علم الكونيات. فهي توفر معلومات قيمة حول الظروف الأولية للكون وتطوره المبكر. تساعد قياسات CMB في تحديد عمر الكون وتكوينه ومعدل توسع الكون.
أكدت بيانات ACT، بالاشتراك مع بيانات بلانك، على وجود توتر هابل، مما يشير إلى أن هناك شيئًا ما غير مفهوم في النموذج القياسي لعلم الكونيات. هذا التناقض يحفز الباحثين على استكشاف نظريات جديدة ومقاربات مبتكرة.
أظهرت النتائج الجديدة أن ثابت هابل المستنتج من بيانات ACT يتوافق مع ثابت بلانك، ليس فقط من بيانات درجة الحرارة، ولكن أيضًا من بيانات الاستقطاب، مما يجعل تناقض هابل أكثر قوة. هذا التأكيد يعزز الحاجة إلى فهم أعمق للعمليات الفيزيائية التي تحكم توسع الكون.
على الرغم من أن العمر التشغيلي لتلسكوب ACT قد انتهى، إلا أن بياناته النهائية تمثل بداية جديدة لعلماء الكون. سيستمر الخبراء في تحليل هذه البيانات لسنوات قادمة، على أمل الاقتراب من حل لغز توتر هابل وفهم أفضل للكون المتوسع. من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال، مع التركيز على تطوير نماذج جديدة واختبارها باستخدام بيانات من تلسكوبات أخرى، مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، في السنوات القادمة.
