أطلقت الإدارة الأمريكية مبادرة طموحة تسمى “مهمة التكوين” (Genesis Mission) تهدف إلى تسريع الاكتشافات العلمية من خلال الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي. يرى المسؤولون أن هذه المبادرة تمثل حشدًا غير مسبوق للموارد الفيدرالية في مجال العلوم، على غرار مشروع مانهاتن التاريخي الذي أدى إلى تطوير الأسلحة النووية خلال الحرب العالمية الثانية. يهدف هذا الجهد إلى دمج البيانات العلمية عبر مختلف الوكالات الحكومية واستخدامها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
أصدر الرئيس الأمريكي أمرًا تنفيذيًا رسميًا لإطلاق “مهمة التكوين”، موضحًا أن التحديات الحالية تتطلب استثمارًا وطنيًا كبيرًا في البحث والتطوير. يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه الإدارة الأمريكية جدلاً حول تمويل العلوم، حيث تم اقتراح تخفيضات كبيرة في ميزانيات البحث العلمي في مجالات متعددة. تتزامن هذه المبادرة مع تركيز متزايد على دور الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، بما في ذلك البحث العلمي.
ما هي “مهمة التكوين” وكيف ستعمل؟
تتمحور “مهمة التكوين” حول إنشاء منصة مركزية للذكاء الاصطناعي والأتمتة تخدم جميع الوكالات الفيدرالية المعنية بالبحث العلمي. سيشرف وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، على توحيد مجموعات البيانات من مختلف الوزارات والإدارات الحكومية. يهدف هذا التوحيد إلى إنشاء “نماذج أساس علمي” قوية، والتي يُعتقد أنها نماذج لغوية كبيرة (LLMs) أو نماذج ذكاء اصطناعي أخرى متخصصة في البحث العلمي.
ستستخدم الحكومة الفيدرالية هذه النماذج الجديدة لأتمتة عمليات البحث وتسريع وتيرة الاكتشافات العلمية. تتضمن الخطة بناء برامج تعمل على أتمتة سير العمل البحثي، مما يسمح للعلماء بالتركيز على التحليل والتفسير بدلاً من المهام الروتينية. تأمل الإدارة أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في الإنتاجية والابتكار في مجال العلوم.
مجالات التركيز الرئيسية
وفقًا لتقارير صحيفة بوليتيكو، تركز “مهمة التكوين” على مجالات بحثية واعدة مثل الاندماج النووي، ومصادر الطاقة المتجددة، وتطوير الأدوية، وفهم بنية البروتينات. تعتبر هذه المجالات ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، ويمكن أن يستفيد البحث فيها بشكل كبير من قدرات الذكاء الاصطناعي. تتوقع وزارة الطاقة “زيادة مذهلة في وتيرة الاكتشافات العلمية والابتكار” نتيجة لهذه المبادرة.
الجدول الزمني للتنفيذ
يحدد الأمر التنفيذي جدولًا زمنيًا واضحًا لتنفيذ “مهمة التكوين” على مدى الأشهر والسنوات القادمة. خلال الـ 60 يومًا القادمة، يجب على الإدارة تقديم قائمة بـ 20 “تحديًا” علميًا أساسيًا يمكن للمهمة معالجتها. وفي غضون 90 يومًا، يجب تقديم جرد كامل للموارد الحسابية المتاحة لدعم المشروع. بحلول 120 يومًا، يجب أن تكون البيانات قد تم تجميعها وتنظيمها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، يطلب الأمر التنفيذي تقييمًا شاملاً للمختبرات الروبوتية ومرافق الإنتاج الفيدرالية في غضون 240 يومًا، لتحديد المواقع المناسبة لإجراء التجارب العلمية الآلية. وفي غضون 270 يومًا، يجب تقديم عرض توضيحي لنموذج أولي للمنصة، مع التركيز على أحد التحديات العشرين المحددة. سيتم إجراء تقييم سنوي لنتائج “مهمة التكوين” لتقييم التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
تثير هذه المبادرة تساؤلات حول مستقبل تمويل البحث العلمي الفيدرالي. ففي حين تسعى الإدارة إلى تعزيز الابتكار من خلال الذكاء الاصطناعي، فإنها تقترح أيضًا تخفيضات كبيرة في التمويل التقليدي للعلوم. تشمل هذه التخفيضات إلغاء التمويل الفيدرالي للمجلات العلمية، وخفض تمويل البحوث الصحية، وتقليل الاستثمار في دراسات تغير المناخ. يثير هذا التناقض مخاوف بشأن ما إذا كانت “مهمة التكوين” ستعوض حقًا عن الخسائر المحتملة في التمويل الأساسي للبحث العلمي.
هناك أيضًا نقاش حول تأثير هذه المبادرة على التنوع والشمول في العلوم (DEI). تشير بعض التقارير إلى أن التخفيضات المقترحة في التمويل قد تستهدف بشكل خاص البرامج التي تهدف إلى تعزيز DEI في مجال العلوم. قد يؤدي ذلك إلى تقليل فرص المشاركة للمجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصًا في البحث العلمي.
الخطوة التالية الحاسمة هي تنفيذ الجدول الزمني المحدد في الأمر التنفيذي، وخاصةً تقديم قائمة التحديات العلمية في غضون 60 يومًا. سيكون من المهم مراقبة كيفية استجابة الوكالات الفيدرالية لهذه المبادرة، وما إذا كانت قادرة على توحيد البيانات وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المطلوبة. كما سيكون من الضروري تقييم تأثير التخفيضات المقترحة في التمويل على البحث العلمي، وما إذا كانت “مهمة التكوين” قادرة على تحقيق أهدافها المعلنة في ظل هذه الظروف. ستكون التقييمات السنوية التي تتطلبها المبادرة فرصة مهمة لتقييم التقدم المحرز وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تعديل.
