الليثيوم قد تحول من كونه معدنًا يُستخدم في صناعة السيراميك والصناعات الدوائية إلى أحد أكثر المعادن طلبًا في غضون بضعة عقود، وتخطط شركة Albemarle، إحدى كبرى شركات تعدين الليثيوم في العالم والتي تقود نهضة الليثيوم في الولايات المتحدة، لزيادة طاقتها الإنتاجية إلى 500 ألف طن سنويًا بحلول عام 2030، لكنها في الوقت نفسه تقول إن ذلك لن يكون كافيًا لتلبية الطلب المتوقع خلال السنوات القادمة، وقد حذر منتجو الليثيوم في السنوات الأخيرة من أن العالم قد يواجه قريبًا نقصًا في الليثيوم في أوائل عام 2025.
لا يمكن إنكار حقيقة أن تكنولوجيا البطاريات تعد واحدة من تلك المجالات التي تحصل على الكثير من نتائج الأبحاث الواعدة ولكن على أرض الواقع هي نادرًا ما تصبح منتجات تجارية يمكن استخدامها لتشغيل الأجهزة الرقمية أو المركبات الكهربائية.
المعادلة قد تتغير قريبًا بفضل بطاريات الصوديوم أيون التي تعد أكثر أمانًا وأكثر متانة وأرخص في التصنيع مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون التقليدية، مع أنها لم تتمتع بنفس الأضواء التي حظيت بها بطاريات الليثيوم أيون، لكن ربما قد تصبح واحدة من الإنجازات التكنولوجية الكبرى التي يمكن أن تجعل حلم الإمداد بالطاقة الكهربائية حقيقة خلال السنوات القادمة.
تتمتع بطاريات الصوديوم أيون بتصميم مشابه لبطاريات الليثيوم أيون ويمكن تصنيعها باستخدام نفس العمليات الصناعية، وهذا النوع من البطاريات تحل أيونات الصوديوم محل أيونات الليثيوم الموجودة في الكاثود (القطب الموجب) وتُستبدل أملاح الليثيوم الموجودة في المحلول المتأين بأملاح الصوديوم (السائل الذي يساعد على شحن الناقل بين أقطاب البطارية) .
نعم، لا تعد بطاريات الصوديوم أيون مفهومًا جديدًا، لكن فكرة تصنيعها على نطاق واسع لم تكتسب زخمًا إلا في السنوات الأخيرة. الصوديوم أكثر وفرة بكثير من الليثيوم، لذلك فهو أرخص وأسهل في الحصول عليه، كما أنه أقل عرضة للتوترات الجيوسياسية خاصة مع ما يحدث حولنا اليوم. آخر الأرقام تعطينا صورة واضحة عن فرق السعر أيضًا، حيث يصل سعر كربونات الصوديوم إلى مبلغ وقدره 286 دولارًا للطن المتري، في حين تبلغ تكلفة كربونات الليثيوم المستخدمة في البطاريات بسعر قدره 20494 دولارًا للطن المتري.
كشف فريق من الباحثين اليابانيين في جامعة طوكيو للعلوم أنهم طوروا كاثودًا عالي السعة لبطاريات أيونات الصوديوم باستخدام الكربون الصلب ذو البنية النانوية. ويمكن للخلايا الناتجة أن تحقق كثافة طاقة تصل إلى 312 واط/ الساعة لكل كيلوغرام، أي ضعف بطاريات فوسفات حديد الليثيوم . ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن هذا يمثل أيضًا 1.6 ضعف كثافة الطاقة التي حققتها بطاريات أيونات الصوديوم الأكثر تقدمًا منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.
وقد وجد الكيميائيون أيضًا أن الخلايا ذات الكاثود المغطى بالأكسيد المبنية باستخدام الصوديوم لا تتطلب معادن باهظة الثمن مثل الكوبالت أو النيكل لتحقيق كثافة طاقة مماثلة لتلك الموجودة في خلايا فوسفات حديد الليثيوم (LFP)، والتي تستخدم على نطاق واسع في السيارات الكهربائية ذات الأسعار المعقولة.
هناك فائدة أخرى لبطاريات أيونات الصوديوم وهي قدرتها على تحمل نطاق أوسع من درجات حرارة التشغيل (من 30 درجة مئوية إلى 60 درجة مئوية) أو حتى 80 درجة مئوية اعتمادًا على المادة الكيميائية المستخدمة. ولهذا السبب بدأت شركات مثل Faradion بالفعل بتجربة تركيب بطاريات الصوديوم أيون لتخزين الطاقة الثابتة في أستراليا. بالإضافة إلى ذلك، إحداث ثقب في خلية أيون الصوديوم المشحونة كليًا لايحولها إلى قنبلة حارقة كما يحدث مع البطاريات المنافسة.
وفي وقت سابق من هذا العام، كشف مشروع مشترك بين فولكس فاجن ومجموعة JAC عن أول سيارة سيدان كهربائية تعمل ببطارية الصوديوم أيون. تعمل السيارة بواسطة بطارية بقوة تبلغ 25 كيلو واط/ الساعة التي توفر نطاقًا متواضعًا نسبيًا يصل إلى 250 كيلومترًا (يعادل 155 ميلًا)، لكن الشركتين تروجان لسرعات شحن سريعة، وأداء أفضل عند درجات حرارة منخفضة، فضلاً عن عمر أطول للبطارية مع انخفاض أبطأ لمعدل استهلاك عمرها الافتراضي.
كما تستخدم الشركة الناشئة التي يقع مقرها في سانتا كلارا مادة شائعة الإنتاج تسمى أزرق بروسيا (هي صبغة زرقاء داكنة تنتج عن أكسدة أملاح الحديدوز سيانيد الحديد) لتصنيع الأقطاب الكهربائية لبطاريات أيونات الصوديوم الخاصة بها، والتي تُصنف من 50 ألف إلى 100.000 ألف دورة شحن وتفريغ، ويمكن أيضًا إعادة شحنها كلياً خلال 15 دقيقة أو أقل.
يقول جيمس كوين الرئيس التنفيذي لشركة Faradion “إن خاصية السلامة التي تتمتع بها بطاريات أيونات الصوديوم واضحة جدًا. في حين أن خلايا الليثيوم أيون تحتاج إلى الشحن بنسبة تصل إلى 30% قبل النقل، يمكن تفريغ خلايا الصوديوم أيون بأمان إلى صفر فولت تمامًا مثل المكثف، مما يلغي إمكانية الانفلات الحراري بسبب الدارات القصيرة”.
شركات أخرى مثل Natron Energy تتعمق بالفعل في مجال صناعة السيارات من أجل تقديم بطاريات الصوديوم أيون، و قد دخلت مؤخرًا في شراكة مع شركة Clarios International لإنتاج بطاريات أيونات الصوديوم بكميات كبيرة في منشأة Meadowbrook التابعة لها في ولاية ميشيغان باستخدام المعدات نفسها المستخدمة حاليًا لصنع خلايا أيونات الليثيوم. ومع زيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة، تقول Natron Energy إن هذا سيصبح أكبر مصنع لبطاريات أيونات الصوديوم في العالم.
ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية العالمية لخلايا الصوديوم أيون إلى 186 جيجا واط/ الساعة سنويًا بحلول عام 2030، مقارنة بطاقة إنتاجية تصل إلى 6.5 تيرا واط/ الساعة لخلايا الليثيوم أيون. وهذا يعني أن بطاريات الصوديوم أيون ربما لن تطيح بهيمنة أيونات الليثيوم في أي وقت قريب. ومع ذلك، فإنها تبدو وكأنها بديل جذاب على نحو متزايد لمجموعة متنوعة من المنتجات، وهناك إمكانية أن تصبح الحل الأمثل على المدى الطويل.